مفهوم الفضاء العمومي(الجزء الاول).


مفهوم الفضاء العمومي:
أخذ يورغن هابرماس Jürgen Habermas ( 1929-...) مفهوم الفضاء العمومي (espace public)  عن كانط E.Kant  الذي قال به و تم استعماله بكثرة في مجال التحليل السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو الفضاء الوسطي الذي تكوّن تاريخيا في زمن الأنوار بين المجتمع المدني و الدولة [i] ، إنه أيضا المكان المتاح مبدئيا لجميع المواطنين حيث بإمكانهم الاجتماع لتكوين رأي عام.
لم يشرع الفكر النقدي في الفلسفة في تناول موضوع الفضاء العمومي كمبحث إلا في القرن التاسع عشر، جاء ذلك في خضم الاتجاهات التي ظهرت و تهم تحليل الهيمنة التي مارستها المؤسسات الرسمية في سعيها لبسط نفوذها عبر القول بمركزية سلطتها و شد الفرد إليها لأجل احتوائه.

كتاب " الفضاء العمومي: حفرية العمومية (publicité) كبعد مكون للمجتمع البورجوازي " هو موضوع أطروحة هابرماس في السوسيولوجيا بجامعة ماربورغ بألمانيا في 1961 [ii] ، عبارة عن دراسة لبنية و وظيفة النموذج الليبرالي للفضاء العمومي البورجوازي في أوروبا، يحلل فيه ظهور هذا النموذج و تحولاته التاريخية منذ العصر الهليني مرورا بالعصر الروماني حتى العصر الحديث، و يُبعد من الدراسة ما يسمى الفضاء العمومي العامي ""Plébéien [iii] الذي بقي مستترا  مع مرور الزمن، وتفحص الدراسة أيضا المظاهر العامة للعناصر الليبرالية المكونة للرأي العام البورجوازي والتحولات التي خضع لها في إطار الدولة الاجتماعية بأوروبا [iv]  وهو مزيج من "فينومينولوجيا الروح"  لهيجل   F.Hegel  والنقد الإيديولوجي الذي قام به ماركس  K.Marx ، أبرز هابرماس من خلاله اغتراب الوعي الجماعي (هيجل) داخل الدعاية و التفكك البنيوي للسلطة (ماركس) [v].


يعرف هابرماس الفضاء العمومي البورجوازي كفضاء لأشخاص خاصين مجتمعين على شكل عموم، هؤلاء الأشخاص يدافعون عن هذا الفضاء العمومي المنظم من طرف السلطة، وهم في نفس الوقت ضدها، وذلك من أجل نقاش القواعد العامة للتبادل  في ميدان تبادل السلع والعمل الاجتماعي ( المجال الذي بقي خاصا وأهميته ذات بعد عام )، وسيط هذا التعارض بين الفضاء العمومي والسلطة هو وسيط أصلي لا سابق تاريخيا، إنه الاستخدام العمومي للعقل أو: Aufklarung [vi] .

مثلت العمومية عند كانط،  السلطة الوحيدة القادرة على ضمان وحدة السياسة والأخلاق، ويعتبر الاستخدام العمومي للعقل بالنسبة إليه، شأنا خاصا للعلماء وبالخصوص العلماء الذين يقومون بإعداد مبادئ العقل الخالص أي الفلاسفة [vii]، من هذا المنطلق يرى كانط أن الاستخدام العمومي للعقل الخاص بنا يجب أن يكون حرا وهو الوحيد القادر على جلب الأنوار بين الناس واستخدامه الخاص يجب أن يكون محدودا جدا، غير ذلك فإنه يؤدي إلى عرقلة الأنوار.

اتخذ هابرماس،  كأبرز مفكري الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورتFrancfort   منحى آخر في فهم  "الأنوار" الذي  تعتبر "الحداثة" مظهره الأساسي، معتبرا هاته الأخيرة "كمشروع لم ينجز"[viii] وأنه أسيئ فهم الأنوار، مخالفا اتجاه الآباء الأوائل للمدرسة ( أدورنو وهوركهايمر...) باعتبارهم بأن ظهور الأنظمة التوتاليتارية في أوروبا النصف الأول من القرن العشرين كان من نتائج "حداثة الأنوار. 

Comments

Popular Posts