الفضاء في القران الكريم

يروي لنا التاريخ أن يوري جاجارين هو أول رائد فضاء يصل إلى الفضاء الخارجي ويصف ظلمته الحالكة أو ليله الدامس الذي يحيط بالشمس وكافة الأجرام وذلك قي 12 أبريل عام 1961م، ولقد ساهمت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بست رحلات مأهولة إلى القمر منذ رحلة أبوللو 11 في يوم 16 يوليو عام 1969 وحتى رحلة أبوللو 17 الأخيرة في يوم 7 ديسمبر 1972م، ولخلو القمر من الغلاف تكشف جميع الصور التي قدمتها تلك الرحلات الظلمة الداكنة تغلف كل الأجرام في الفضاء بما في ذلك جرم الأرض ذي الغلالة القيقة لطبقة النهار.

يقول د. الفندي( خبير الأرصاد الجوية) إن ضوء الشمس غير المباشر لا يمكن رؤيته إلا أن يتشتت أو ينعكس على الأجسام، وبسبب وجود جزئيات الهواء والماء والغبار العالق بالهواء يتشتت ضوء الشمس فتظهر القبة الزرقاء وهي ليست سوى ظاهرة ضوئية تتعلق بجو الأرض. وبسبب الإنعدام النسبي لتلك الجزئيات في الفضاء خارج غلاف الأرض رغم توفر ضوء الشمس تظهر السماء لرواد الفضاء مظلمة كليل دائم حالك السواد، ومن المدهش أن بسبق القرآن الكريم ويجعل للسماء ليلاً دائما بل وصفه بأنه حالك السواد..

يقول العلي القدير: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا. رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا. وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) (النازعات: 27:29)
إن السماء وفق السياق تعبر عن فضاء الكون بأجمعه لأن النص يتعلق بوصف مراحل بناء الكون ونشأة مجموعات الأجرام فيه المعبر عنها بالتسوية عقب عملية التوسع الكونى المعبر عنها برفع السمك أى زيادة الثخانة وقد جعل القرآن الكريم للسماء ليلاً لأن الضمير فى قوله تعالى (ليلها) يعود بالتأكيد على السماء وإذن فالآية تتعلق بليل السماء الدائم المعبر عن الفضاء بأجمعه وليس ليل الأرض الذى يعقب غروب الشمس ونحن لا نعرف من الليل سوى الظلام.
قال المفسرون: وقوله تعالى (أغطش ليلها) أى جعل ليلها مظلماً أسود حالكاً (ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 4/500 وبمثله قال ابن فارس في مقاييس اللغة 4/429 وابن منظور في لسان العرب 6/324) يعنى جعله أشد سواداً ولا يتم ذلك إلا بكنس الغبار بين الأجرام الأولية بسبب جاذبيتها وانكماش مادتها وقوله تعالى "أخرج ضحاها " أى أبرز ضوء شمسها(زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 9/22، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 19/204 تفسير الفخر الرازي 31/47) أضاف ابن تيمية قائلاً: أى النور والحرارة جميعاً (ابن تيمية في مجموع الفتاوى 16/229).
ويعنى ذلك أنه عقب عملية كنس المادة فى الفضاء وانكماش مادة الأجرام تحت تأثير جاذبيتها بدأت الشمس فى إصدار الضوء مؤخراً خلال تاريخ نشأة الكون وتلك النتيجة هى محصلة معارفنا اليوم. والمدهش أن تكون الشمس بازغة على الدوام فى فضاء الكون رغم سيادة الليل الشديد الظلام ليغشى كل الأجرام كلباس يكسوها من كل جانب فتبدو كنقاط لامعة فوق خلفية سوداء قاتمة، ولكن القرآن الكريم يسبق فى وصف ذلك الليل الدائم بأنه لباس أى يماثل الكساء الخارجى الذى تغطيته فى الفضاء لعموم الأجرام.

يقول العلى القدير (وَجَعَلْنَا اللّيْلَ لِبَاساً) (النبأ:10)والتخصيص بقوله تعالى "لكم" فى وصف ذلك الليل الدائم بأنه لباس يعمم فعل التغطية ليشمل الأرض كما هى بقية الأجرام.
يقول العلى القدير:(وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللّيْلَ لِبَاساًً) (الفرقان:47). قال الشوكانى: أى نلبسكم ظلمته ونغشيكم بها كما يغشيكم اللباس(فتح القدير للشوكاني 4/80). إن ذلك الليل الدامس بظلمته الحالكة يمتد إذن فى كل الفضاء ليغشى كل الأجرام حتى أنه يغشى الشمس ذاتها مصدر الضياء ويغطيها من كل جانب ولكن من أدرى محمداً ؟ إن لم يكن مبلغاً من الخالق بذلك الليل الذى يغشى الشمس على الدوام؟
يقول العلى القدير (وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا. وَالنّهَارِ إِذَا جَلاّهَا. وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) (الشمس 1:4). والفعل "يغشاها" يعنى التغطية (المعجم الوسيط 2/653) وتدل صيغة المضارع على الاستمرار والضمير فيه يعود حتماً على الشمس مما يعنى أن الليل المعهود بظلمته يغطى الشمس باستمرار، وقوله تعالى "ضحاها" أى فنوؤها (ابن كثير 4/550) والقرآن الكريم يلحق الضياء بالشمس مصدر الضياء دون القمر بل ويجعل القمر تالياً يعكس الضياء نحو الأرض وقوله تعالى "جلاها" أى كشفها وأوضحها (المعجم الوسيط 1/132) والمراد الضوء الصادر عنها فيفيد أنه لم يكن مرئياً قبل طبقة النهار، وهكذا يكشف القرآن الوظيفة الخفية لطبقة النهار فى تجلية أو كشف ضوء الشمس الذي لم يكن - قبل طبقة النهار أي يى الفضاء الخارجي - مدركاً وفى غياب التجلية والإيضاح رغم انتشار الضوء في الفضاء لا يكون سوى الظلام.
والمعلوم حالياً أن طبقة النهار محدودة لا يزيد ارتفاعها عن حوالى 200كم (د. محمد جمال الدين الفندي: في الله والكون صفحة 231 طبعة سنة 1976 الهيئة المصرية العامة للكتاب) وتحجب عنا طبقة النهار الرقيقة تلك ظلام الفضاء الذى يعم كل بدن السماء، والقرآن الكريم يشبه النهار بجلد الذبيحة الرقيق الذى يسلخ دوماً بسبب حركة الأرض الدائمة حول نفسها أمام الشمس فيكشف خلفه ظلمة الليل الدائم الذى يعم كل بدن السماء...

يقول العلى القدير: (وَآيَةٌ لّهُمُ الْلّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النّهَارَ فَإِذَا هُم مّظْلِمُونَ) (يس:37). والسلخ فى اللغة هو إخراج الشئ عن جلده (معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/94، لسان العرب لابن منظور 3/25، القاسمي 14/5004) فلفظ "نسلخ" لا يكون إلا لجلد الذبيحة الرقيق الذى يستر خلفه كامل البدن الذى يصفه القرآن الكريم بالظلام وعلل المفسرون التشبيه بأن الضوء يتداخل فى الهواء فيضئ (الجامع لأحكام القرآن 15/26 جامع البيان للطبري 23/5، زاد المسير لابن الجوزي 7/17) ودفعهم لفظ "منه" العائد على "الليل" إلى القول بأن الاصل هو الظلمة والنور عارض طارئ عليها (غرائب القرآن للنيسابوري 23/16، تفسير أبو السعود 4/504) وإذن فنهار الأرض ينسلخ بشكل دائم من ظلام الليل الدائم بسبب حركة الأرض فى الفضاء كما ينسلخ جلد الشاه من جسدها. ورغم تفرق نصوص القرآن الكريم التي تصف ظاهرة الظلام السائد في فضاء الكون فإنها تصر جميعاً على وصف ثابتوهو أن الليل يغشى النهار على الدوام...
يقول العلي القدير: (يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ) (الرعد:3 الأعراف:54) قال المفسرون: المعنى أن الله تعالى قد جعل الليل الذي هو الظلمة يغشى النهار 

Comments

Popular Posts