إن التجربة الهندية تبين لنا بوضوح أن امتلاك التكنولوجيا الفضائية برنامج طويل الأمد لن يأتي أكله في عام أو عامين. وعليه فإن القطاع الخاص وإن كان ملزما بالمشاركة بطريقة أو بأخرى في مؤازرة عملية النهوض بهذا البرنامج فإن الإعداد والتخطيط والدعم الأساسي له لا بد أن يأتي من القطاع العام بكافة هيئاته وخاصة التعليمية والجامعية منها.
إلى حدود التسعينات من القرن الماضي كانت الأنشطة المتعلقة بالفضاء تقتصر على التكنولوجيا المتقدمة فقط. ومع الانتشار الكبير للتطبيقات المتعلقة بهذه التكنولوجيا أصبح الفضاء البنية التحتية الرابعة المكملة للأرض والبحر والجو. وبهذا أصبح بديهيا أن الفضاء يساهم بما لا جدال فيه في التطور العلمي والتكنولوجي. كما أن الفضاء أصبح يوفر فرصا حقيقية لخلق أسواق جديدة ولتحسين الأوضاع المعيشية لبني الإنسان.
قد يعتقد البعض أن التكنولوجيا الفضائية تقتصر على صنع ووضع المركبات الفضائية في المدار. غير أن التحول الذي تعرفه البشرية والذي يتمثل في انتقالها من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع إعلاميائي جعل من هذه المركبات أدوات ضرورية للاتصال والمواصلات، للحفاظ على البيئة ولحل مشاكل إنسانية معقدة.
أمام هذه التحولات يجدر بنا أن نتساءل: ما موقع العالم الثالث في هذا الخضم؟ للأسف الشديد دخلنا القرن الماضي متفرجين وخرجنا منه متفرجين كذلك. تفصلنا عشرات "إن لم نقل مئات" السنين عن الأمم المتحضرة. تتغلغل فينا الأمية إلى أبعد مدى. ويتفشى فينا الجهل إلى درجة يصبح فيه عدونا الأول بدون منازع. ورحم الله من قال: "لو تمثل لي الجهل رجلا لقتلته".
نعم الجهل لا الفقر. لأن في زماننا هذا، الجهل هو الذي يولد الفقر. لأن في زماننا هذا إنما تتقدم الأم بمهارات أبنائها. فأين أبناؤنا نحن؟
ومع علمنا أننا لن نأتي بجديد فيما يخص الجواب على هذا السؤال فإننا نسجل من باب الشهادة والتوثيق أن أبناءنا إما جاهل لم نعلمه، وإما متعلم عاطل أسأنا توجيهه وإما نابغة هاجر بلده ولم نحسن الاستفادة منه.
يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل: "إن القرن الواحد والعشرين سوف يكون أشبه بشركة مساهمة يجلس ضمن مجلس إدارتها من أسهموا في رأسمالها. أما العاطلون عن المساهمة أو الطالبون وظيفة أو السائلون مساعدة فمن الصعب أن نراهم في مقاعد مجلس الإدارة".
فأين نحن من كل هذا؟ هل نحن أعضاء في مجلس الإدارة؟ أم طالبوا وظيفة أم سائلو مساعدة؟
سنحاول أن نجيب من خلال هذا المقال على مجموعة من الأسئلة، أهمها:
ـ هل العالم الثالث بحاجة إلى تكنولوجيا فضائية؟
ـ في زمان الخصخصة والخوصصة من عليه النهوض بهذا المجال: هو القطاع الخاص أو القطاع العام؟
ـ هل هذا المشروع يجب أن يكون قطريا أو جهويا أم قاريا أو عالميا؟
ـ ماذا لو جعلنا من التكنولوجيا الفضائية مشروع أمة وحلم قارة؟
التكنولوجيا الفضائية:
عاتب البعض رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي قائلين: "بثمن ساتل واحد يمكنك أن تعطي وجبة أرز لكل هندي" فأجابت "نعم بكل تأكيد، لكن بعد تناولهم لهذه الوجبة سيظل المشكل على ما كان عليه. بينما بثمن ساتل واحد سأعلم عشرات من الملايين من الأشخاص كيف ينتجون الأرز لكي يأكلوه كل يوم. كما سأقدم لهم معلومات عن النظافة والعلاج التي تنقصهم بشكل مريب".
بهذه الإجابة البسيطة بررت رئيسة أكبر ديموقراطية في العالم الثالث حجم النفقات التي اعتمدتها حكومتها لتشجيع التكنولوجيا الفضائية في الهند منذ ما يزيد على ثلاثين عاما. لقد برهن الزمن على صدق فراسة هذه المرأة. ولقد أصبحت الهند مثالا يحتدى للعالم أجمع وللعالم الثالث على الخصوص في هذا الميدان.
إن الإنفاق في التكنولوجيا الفضائية ليس هدرا للأموال ولا استعراضا للقوة التقنية والعسكرية لا طائل من ورائه. قد يكون الأمر كان كذلك في إبان هذه التكنولوجيا. حيث جندت كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي طاقتهما للهيمنة العسكرية عبر محطات الفضاء الدائمة. وعبر أنشطة أخرى ما لبثت أن برهنت عن فشلها استراتيجيا.
لقد هيمنت التكنولوجيا الفضائية على حياتنا اليومية، وأصبحت سلعة تدخل يوميا إلى بيوتنا. ففي سنة 1998 كان حجم معاملات الصناعات الفضائية في العالم يمثل ما قيمته 98 مليار دولار أمريكي. في حين مثل هذا القطاع في نفس السنة ما يعادل (1،1 مليون) منصب شغل موزعة كالتالي:
ـ البنيات التحتية: إنتاج الأقمار الصناعية والقاذفات مع خدمات الإطلاق والمحطات الأرضية.
ـ الاتصالات والبث التلفزيوني: ويشمل هذا المجال كل من الاتصالات الثابتة والمتنقلة، كما يشمل البث التلفزيوني المباشر والبث التلفزيوني الرقمي . وتندرج في هذا المجال أيضا الاتصالات السريعة عبر شبكة الأنترنيت والخدمات المتعددة الوسائط.
ـ تطبيقات إرسال المعطيات عبر الساتل، الاستشعار عن بعد، نظام تحديد المواقع العالمي "GPI"، نظام النقل الذكي..
ـ خدمات الدعم: من تأمين، مالية، خدمات قانونية واستشارية.

Comments

Popular Posts