مفهوم الفضاء العمومي (الجزء الثالث).
تميزت فترة القرن الثالث عشر الميلادي ببداية الرأسمالية التجارية والمالية (الميركانتيلية)، حيث ظهرت عناصر جديدة للتبادل، تبادل السلع والمعلومات مشكلة بذلك عناصر نظام توغلت في النظام الاجتماعي، فتبادل المعلومات لم يكن مرتبطا بحاجيات التبادل السلعي فحسب، بل أن المعلومات أصبحت هي الأخرى سلعا لدرجة أن كل معلومة منقولة عن طريق الكتابة إلا ولها سعرها الخاص بها [xi].
التحول البنيوي لمؤسسات الفضاء العمومي:
كانت الحياة العامة في اليونان القديمة تدور في مكان السوق "الأغورا"Agora وهي غير مرتبطة مباشرة بهذا المكان، إنها مرتبطة بمدى استقلالية "المواطنين" في محيطهم المنزلي، فقد كان هناك تباين واضح بين فضاء المدينة (polis)، الفضاء المشترك للمواطنين الأحرار والفضاء المنزلي الخاص بكل فرد على حدة.
كان "العموم" في فرنسا القرن السابع عشر يعني : القراء، الجمهور، المستمعين باعتبارهم المخاطبين والمستهلكين ونقاد الفن والأدب [xii] وقد شكل البلاط أول العموم، وكانت المدينة تشكل مركز نشاط المجتمع البورجوازي، ففي بلاط لويس السادس عشر كانت للاجتماعات صفة خاصة، يتم التداول مدة ستة أيام في الأسبوع، لكن سرعان ما أصبحت المدينة تضطلع بالوظائف الثقافية للبلاط.
تفككت بعد ذلك بنيويا الحياة العامة في البلاطات لتنتقل إلى الصالونات بالمدن، في فرنسا خلال تلك الفترة ضمت الصالونات الأدبية النبلاء وكبار بورجوازية الأبناك والموظفين لتشكل ما يسمى ب "الأنتلجنسيا" ، كما أن البلاط في إنجلترا غدا مكانا للعائلة الملكية التي أصبحت تعيش منعزلة، ولا يتم الاقتراب منها إلا في المناسبات الرسمية في الوقت الذي اتجه فيه المفكرون والنبلاء إلى المقاهي وأصبح بالتالي للأدب مكانة خاصة في الصالونات الإنجليزية، عكس ما حدث في ألمانيا، فنظرا لأنها لا تتوفر على بورجوازية مدينية في تلك الفترة بالمفهوم الذي يؤسس لفضاء عمومي بورجوازي قادر على استيعاب التحول البنيوي للحياة العامة في البلاطات فلم يكن التطور حاصلا كما هو الشأن بالنسبة لإنجلترا وفرنسا لذلك نجد أن الفضاء العمومي المهيكل سياسيا ظهر متأخرا بعدما ظهر في إنجلترا ثم في فرنسا وانتقل بعد ذلك إلى ألمانيا حسب فورستر: F.G.Forster [xiii] .
أصبح المسرح يتمتع أيضا بمفهوم "العمومية" لحظة الكشف عنها في البلاطات والإقامات الملكية ، ففي عهد شارل الثاني في إنجلترا، كان المسرح تحت رعاية البلاط، ولم يكن في لندن ما يسمى بالمسرح الشعبي، أما في ألمانيا فلم يظهر المسرح الوطني إلا في 1766 بفضل جهود كل من: غوتشي Gottched وليسسينغ Lessing .
الموسيقى هي الأخرى شملها تحول، فحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت مرتبطة بالفضاء العمومي المهيكل تمثيليا ( البلاطات والإقامات الملكية ) وظهرت بعد ذلك النوادي الموسيقية حيث تحولت إلى مجموعات عمومية تقدم أنشطتها بمقابل وبهذا تحولت الموسيقى إلى سلعة.
شكلت الجرائد إبداعا خاصا لنقد الفن والمنتجات الثقافية، ففي بحر القرن الثامن عشر، ظهر فضاء عمومي يضطلع بوظائف سياسية، تجلى ذلك من خلال الصحافة التي لم تكن في السابق بيد المعارضة حيث استطاعت هذه الصحافة نقد السيطرة التي تمارسها المؤسسات الرسمية في صحافتها الخاصة بها، ، فقد ضمت ألمانيا نهاية القرن الثامن عشر ما يناهز 270 شركة للقراءة [xiv] وهي في حقيقة الأمر جمعيات متوفرة على محلات خاصة تمنح الإمكانية لقراءة الصحف والكتب والمحادثة فيما تمت قراءته، إن شركات القراءة هاته، كعموم يستخدم العقل، ليست لها أهداف تجارية، فجمعياتها تنتخب ممثليها بناء على قوانينها المنظمة، غايتهم الاستجابة لرغبات الأشخاص الخاصين ذوي الشروط البورجوازية الباحثين لتشكيل فضاء عمومي يضطلع بالقراءة والتعليق على الصحافة وتبادل الآراء الشخصية للوصول إلى المشترك بين هاته الآراء لخدمة مصالحهم الرأسمالية وهذا ما تم التعبير عنه بعد ذلك وبالضبط في 1790 بالرأي العام: Offentlichkeit Meinung"".
يشير هابرماس إلى أنه لا يجب الاعتقاد أن فكرة العمومية تحققت انطلاقا من المقاهي والصالونات، ولكن بفضلها تمت مأسسة هذا العموم كفكرة أضحت مطلبا موضوعيا وحتى إن لم تصبح واقعا فقد لعبت دورا محددا، إن النقاش داخل عموم يفترض وضع موضع تساؤل مجالات لم تكن خاضعة للنقاش من قبل [xv].
التحول البنيوي لمؤسسات الفضاء العمومي:
كانت الحياة العامة في اليونان القديمة تدور في مكان السوق "الأغورا"Agora وهي غير مرتبطة مباشرة بهذا المكان، إنها مرتبطة بمدى استقلالية "المواطنين" في محيطهم المنزلي، فقد كان هناك تباين واضح بين فضاء المدينة (polis)، الفضاء المشترك للمواطنين الأحرار والفضاء المنزلي الخاص بكل فرد على حدة.
كان "العموم" في فرنسا القرن السابع عشر يعني : القراء، الجمهور، المستمعين باعتبارهم المخاطبين والمستهلكين ونقاد الفن والأدب [xii] وقد شكل البلاط أول العموم، وكانت المدينة تشكل مركز نشاط المجتمع البورجوازي، ففي بلاط لويس السادس عشر كانت للاجتماعات صفة خاصة، يتم التداول مدة ستة أيام في الأسبوع، لكن سرعان ما أصبحت المدينة تضطلع بالوظائف الثقافية للبلاط.
تفككت بعد ذلك بنيويا الحياة العامة في البلاطات لتنتقل إلى الصالونات بالمدن، في فرنسا خلال تلك الفترة ضمت الصالونات الأدبية النبلاء وكبار بورجوازية الأبناك والموظفين لتشكل ما يسمى ب "الأنتلجنسيا" ، كما أن البلاط في إنجلترا غدا مكانا للعائلة الملكية التي أصبحت تعيش منعزلة، ولا يتم الاقتراب منها إلا في المناسبات الرسمية في الوقت الذي اتجه فيه المفكرون والنبلاء إلى المقاهي وأصبح بالتالي للأدب مكانة خاصة في الصالونات الإنجليزية، عكس ما حدث في ألمانيا، فنظرا لأنها لا تتوفر على بورجوازية مدينية في تلك الفترة بالمفهوم الذي يؤسس لفضاء عمومي بورجوازي قادر على استيعاب التحول البنيوي للحياة العامة في البلاطات فلم يكن التطور حاصلا كما هو الشأن بالنسبة لإنجلترا وفرنسا لذلك نجد أن الفضاء العمومي المهيكل سياسيا ظهر متأخرا بعدما ظهر في إنجلترا ثم في فرنسا وانتقل بعد ذلك إلى ألمانيا حسب فورستر: F.G.Forster [xiii] .
أصبح المسرح يتمتع أيضا بمفهوم "العمومية" لحظة الكشف عنها في البلاطات والإقامات الملكية ، ففي عهد شارل الثاني في إنجلترا، كان المسرح تحت رعاية البلاط، ولم يكن في لندن ما يسمى بالمسرح الشعبي، أما في ألمانيا فلم يظهر المسرح الوطني إلا في 1766 بفضل جهود كل من: غوتشي Gottched وليسسينغ Lessing .
الموسيقى هي الأخرى شملها تحول، فحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت مرتبطة بالفضاء العمومي المهيكل تمثيليا ( البلاطات والإقامات الملكية ) وظهرت بعد ذلك النوادي الموسيقية حيث تحولت إلى مجموعات عمومية تقدم أنشطتها بمقابل وبهذا تحولت الموسيقى إلى سلعة.
شكلت الجرائد إبداعا خاصا لنقد الفن والمنتجات الثقافية، ففي بحر القرن الثامن عشر، ظهر فضاء عمومي يضطلع بوظائف سياسية، تجلى ذلك من خلال الصحافة التي لم تكن في السابق بيد المعارضة حيث استطاعت هذه الصحافة نقد السيطرة التي تمارسها المؤسسات الرسمية في صحافتها الخاصة بها، ، فقد ضمت ألمانيا نهاية القرن الثامن عشر ما يناهز 270 شركة للقراءة [xiv] وهي في حقيقة الأمر جمعيات متوفرة على محلات خاصة تمنح الإمكانية لقراءة الصحف والكتب والمحادثة فيما تمت قراءته، إن شركات القراءة هاته، كعموم يستخدم العقل، ليست لها أهداف تجارية، فجمعياتها تنتخب ممثليها بناء على قوانينها المنظمة، غايتهم الاستجابة لرغبات الأشخاص الخاصين ذوي الشروط البورجوازية الباحثين لتشكيل فضاء عمومي يضطلع بالقراءة والتعليق على الصحافة وتبادل الآراء الشخصية للوصول إلى المشترك بين هاته الآراء لخدمة مصالحهم الرأسمالية وهذا ما تم التعبير عنه بعد ذلك وبالضبط في 1790 بالرأي العام: Offentlichkeit Meinung"".
يشير هابرماس إلى أنه لا يجب الاعتقاد أن فكرة العمومية تحققت انطلاقا من المقاهي والصالونات، ولكن بفضلها تمت مأسسة هذا العموم كفكرة أضحت مطلبا موضوعيا وحتى إن لم تصبح واقعا فقد لعبت دورا محددا، إن النقاش داخل عموم يفترض وضع موضع تساؤل مجالات لم تكن خاضعة للنقاش من قبل [xv].
Comments
Post a Comment